يشهد العالم حرباً باردة من نوع جديد، لا تقوم على الأيديولوجيا، بل تتخذ شكل صراع تكنولوجي واقتصادي على الهيمنة، يتمحور أساساً بين الولايات المتحدة والصين. ويُمثل الذكاء الاصطناعي ساحة تنافس محورية في هذا الصراع، إلى جانب الحوسبة الكمومية وغيرها من التقنيات المتقدمة. فبينما تسعى الصين لتحقيق الريادة العالمية في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، ترى الولايات المتحدة في تفوقها بهذا المجال ضرورة حتمية لأمنها القومي. ويتسع نطاق هذا التنافس المحموم ليشمل آليات حوكمة البيانات وحماية الخصوصية؛ وهي جوانب بالغة الأهمية نظراً لاعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي الكثيف على كميات ضخمة من البيانات - التي كثيراً ما تكون شخصية وحساسة - لضمان كفاءة عملها.
يترتب على هذا الاعتماد الكثيف على البيانات ارتباط وثيق بين تطوير الذكاء الاصطناعي وأطر تنظيم الخصوصية، مما يجعل حوكمة البيانات ساحة تنافس استراتيجية محورية. وتتبنى القوى العالمية الكبرى مقاربات متباينة في هذا الصدد: فالصين تعطي الأولوية لسيطرة الدولة والسيادة الرقمية، وتعتبر البيانات مورداً استراتيجياً وطنياً يخضع لإشراف حكومي صارم. أما الولايات المتحدة، فتفتقر إلى تشريع فيدرالي موحد للخصوصية، مما أدى إلى نهج مُجزأ ومُقسّم حسب القطاعات والولايات، وذلك رغم كونها مركزاً رئيسياً لابتكار الذكاء الاصطناعي. في المقابل، يتبنى الاتحاد الأوروبي نموذجاً يرتكز على الحقوق الفردية والضوابط الأخلاقية (كما يتجلى في النظام الأوروبي العام لحماية البيانات GDPR وقانون الذكاء الاصطناعي)، وإن كان تأثيره التنظيمي يستمد قوته من حجم سوقه الضخم أكثر من ريادته في تطوير هذه التقنية.
النقاط الرئيسية
- حرب باردة تقنية جديدة تتركز حول الذكاء الاصطناعي تدور رحاها أساساً بين الولايات المتحدة والصين.
- الاعتماد الكثيف للذكاء الاصطناعي على البيانات الضخمة يجعل من حوكمة البيانات وقوانين الخصوصية أبعاداً محورية في التنافس الجيوسياسي.
- تعتمد القوى العالمية الكبرى نماذج تنظيمية متباينة: الصين (سيطرة الدولة)، الولايات المتحدة (نهج مجزأ يركز على السوق)، والاتحاد الأوروبي (نموذج قائم على الحقوق والأخلاقيات).
- قد يُضعف افتقار الولايات المتحدة لتشريع فيدرالي شامل للخصوصية والذكاء الاصطناعي قدرتها على إرساء معايير عالمية، رغم ريادتها التكنولوجية.
- تُسهم المقاربات الوطنية المتباينة لتنظيم الذكاء الاصطناعي والبيانات في تعميق الانقسام العالمي المحتمل في مجال الحوكمة الرقمية ومعايير الخصوصية.
في جملة واحدة
أدى التنافس العالمي المحتدم على الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين، إلى تحويل قوانين حوكمة البيانات والخصوصية إلى ساحة تنافس استراتيجي محورية. وتنذر المقاربات التنظيمية المتباينة بين القوى الكبرى بانقسام عالمي محتمل في المعايير الرقمية ومستويات حماية الخصوصية.
المصادر: 1