مهندس برمجيات يبلغ من العمر 42 عاماً، حاصل على شهادة جامعية في علوم الحاسوب، انتقل مؤخراً من وظيفة براتب بستة أرقام إلى توصيل الطعام لشركة DoorDash والإقامة في مقطورة سكنية. قصته التي نُشرت في مجلة Fortune ليست مجرد حكاية عن الصعوبات الاقتصادية، بل تجسد ما يطلق عليه الخبراء "النزوح العظيم". فبعد تقدمه لأكثر من 800 وظيفة في مجالي البرمجة والهندسة دون نجاح، يمثل عدداً متنامياً من العمال المعرفيين الذين تعثرت مسيرتهم المهنية ليس بسبب الاستعانة بمصادر خارجية أو إعادة الهيكلة المؤسسية، وإنما بفعل خوارزميات الذكاء الاصطناعي القادرة على البرمجة بسرعة وكلفة أقل من البشر.
هذه الظاهرة تتجاوز نطاق العاملين في مجال التكنولوجيا وحدهم. فالمصورون والمحللون والمصممون وغيرهم من المهنيين المعرفيين يتساءلون عن قيمتهم المهنية مع تزايد قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على أداء مهام كان يُعتقد أنها تتطلب ذكاءً إنسانياً متميزاً. يمثل هذا التحول ما يسميه الباحثون "الهجرة المعرفية" - تغيير جذري في الابتعاد عن منافسة الآلات في المهام الذهنية نحو إعادة اكتشاف القدرات الإنسانية المتفردة كالتعاطف والحكم الأخلاقي وبناء العلاقات ذات المعنى. ورغم أن هذا الانتقال يثير التوهان وتحديات الهوية، فإنه يفتح المجال أمام المهنيين للتركيز على ما تعجز الآلات عن محاكاته: السياق الإنساني والرعاية والعمل الهادف.
النقاط الرئيسية
- أزمة الهوية تتجاوز فقدان الوظائف**: العمال المعرفيون لا يفقدون وظائفهم للذكاء الاصطناعي فحسب، بل يواجهون انهياراً في الهوية المهنية حين يصبح العمل الذي كان يحدد قيمتهم الذاتية قابلاً للأتمتة.
- نمط تاريخي لتطور العمل**: عبر التاريخ، تحولت الهوية الإنسانية من العمل الزراعي إلى العمل الصناعي ثم إلى العمل المعرفي، ونحن الآن نشهد تحولاً كبيراً آخر مدفوعاً بقدرات الذكاء الاصطناعي.
- التأثير النفسي على الأداء**: رغم أن أدوات الذكاء الاصطناعي تجعل العمال أكثر إنتاجية، تُظهر الدراسات أنهم يشعرون بدافعية أقل وملل أكبر عند العمل دون مساعدة الذكاء الاصطناعي.
- التأكيد على القيمة المتمحورة حول الإنسان**: يكمن الطريق إلى المستقبل في التركيز على القدرات الإنسانية المتفردة كالتعاطف والحكم الأخلاقي وبناء العلاقات التي تعجز الآلات عن محاكاتها بسهولة.
- فرصة للاستعداد ما زالت متاحة**: يرى الخبراء أننا في فترة "هدوء قبل العاصفة" حيث لا يزال أمام المهنيين وقت للتحضير لتغييرات أكثر جذرية في بيئة العمل بفعل الذكاء الاصطناعي.
في جملة واحدة
يزيح الذكاء الاصطناعي العمال المعرفيين على الصعيدين الاقتصادي والوجودي، مما يفرض "هجرة معرفية" نحو المهارات الإنسانية المتفردة كالتعاطف والحكم الأخلاقي. وبينما يخلق هذا التحول أزمات هوية لكثير من المهنيين، فإنه يوفر أيضاً فرصاً لإعادة اكتشاف ما يجعل المساهمة الإنسانية لا غنى عنها في عالم مؤتمت.
المصادر: 1